خواطر
ارفع تقاريري إلى الزمان
ليس ببعيد كانت المنظومة التعليمية منظومة وكان المدير مديرا والأستاذ أستاذا والبواب بوابا وكان الذكي ذكيا والغبي غبيا وكان كل قرين بالمقارن يقتدي .
لم يعد كل ذلك بل أصبح من الماضي أصبحت المنظومة التربوية عبارة عن بورصة تتداول فيها أرقام وإحصاءات ،من الغريب أنها لا تنزل بل تصعد عاما بعد عام ،بعد كل موسم يطل علينا وزيرنا القبيح وهو يقتدي بالعاهرات في طريقة كلامه يتشدق وينمق ويبعثر الكلام المعسول ليغري الشعب المخمور بالنتائج الجيدة والمرتفعة إلى أن يقع الشعب المسكين في الرذيلة ليعلن طلاقه في الحين قبل اليوم الموالي من زوجه المسكين الأستاذ أو المعلم أو......
ليس ببعيد كان الطالب في الثانوية همه من اليوم الأول في الصف الأول الثانوي –النجاح بشهادة البكالوريا – فيقرأ مُجدا وهو يشك في إمكانية نيله هذه الشهادة لتشفع له الجلوس على مقاعد الدراسة في الجامعة ،تجده يعرف ابسط المعلومات الفيزيائية التي تمكنه من استغلال كل الخردوات في البيت ليصنع آلة أو مكينة ببساطتها تبرهن انه قادر على خلق شي جديد ،والآخر تجده يخرب في دماغ ضفدع اصطاده في البستان ليطبق ما درسه له أستاذ العلوم .....والآخر يعرف من الأدباء- طه حسين والعقاد والكواكبي وعبد الحميد ابن باديس وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة –لا يكفيه هذا فتجده يحاول أن يتطلع على ما كتبه الأدباء الجدد عبر مجلة أو نشريه قد يقرأ لأحلام مستغانمي ويسمينة خضراء وأمين الزاوي يحاول أن يتطلع على ما كتبه الأدباء الجدد عبر مجلة أو نشريه قد يقرأ لأحلام مستغانمي ويسمينة خضراء وأمين الزاوي ....
المشكل أنك حين تُذكر بهؤلاء-القدماء قبل الجدد - تلاحظ علامات استفهام في أعينهم ،من اجتهد منهم يعتقد بأن العقاد بواب المدرسة ومستغانمي عاملة نظافة والزاوي أمين لمكتبة مدرسته الفقيرة التي لم تعرف يوما الجديد دون أن نُقزم من حجم ما تحتويه فهي أفضل بكثير مما تحمله ذاكرتنا .
أصبح الطالب بلا ذاكرة ولا قدوة ،تفكيره لا منطقي علمي ،ولا أدبي رومانسي ولا أخلاقي جميل ،ولا هُم يحزنون ،فقد يحتاج أستاذ التاريخ والجغرافيا أو أستاذ الشريعة إلى تبسيط فكرة لطلبة الأقسام العلمية بقالب علمي كفكرة المتتاليات الحسابية أو الهندسية لتبسيط الخط الزمني التاريخي ،فيجيبه الطلبة بدون أي كلمة بحروف شفافة تقذفها اعينهم – ما دخلك بالرياضيات ياهيرودوت ،عفوا لن يقولوا ذلك فأذكاهم إن أهدته ذاكرته يوصفك بابن خلدون.
كما قد يستعين أستاذ الرياضيات أو الاقتصاد بمصطلحات أدبية نحوية أو أخلاقية أو حتى شرعية للأقسام الأدبية لتوضيح مسألة أو نظرية كنظرية "العرض والطلب" في الاقتصاد فيُجاب بنفس الأجوبة السابقة بالإضافة إلى قذفه بالضعف والنقص في مادته لكن ذلك اكبر دليل على تمكنه من المادة.
في الوقت الذي كان فيه الطلبة يتكتلون في أفواج للمراجعة العلنية وغير العلنية - خفية عن الإدارة - في الصيف أو الشتاء ،أصبح الطلبة يتفننون في كتابة أناجيل مُقدسة يحرصون أن لا تكون محرفة ،يكتبونها بدقة فائقة كما نقلها من الكتاب المدرسي أو المرجع التجاري عله يدخرها إلى وقت الشدة – الفروض والامتحانات- إلا انه يخون كاتبها بعدم كتابة "صدق الكاتب المسكين "بعد آخر سفر يكتبه.
أصبح الطالب همه الوحيد هو لباسه وطريقة قص شعره وطريقة مشيه وطريقة كلامه ، الفتاة التي كانت سابقا خجُولة يُخيم حياءها على كل ما تملكه أصبحت نسخة "لمدونة" أو "بائعة الورد" أو "لأليسا" أو "عجرم "في أبشع صورهم التي تشاهدتها في حلقات التراتيل عبر الفضائيات ، كما أصبح الشاب الذي يتباهى بنتانة إبطه التي تعلن عن وجوده ماركة مقلدة "لجاكسون" أو "مهند" أو........
بعد كل هذا سوف ارفع تقريري هذا وتقارير أخرى ليس إلى رئيس الجمهورية المسكين ولا إلى وزيرنا؟ ؟ ؟ بل ارفعها إلى من لا يُقطٌعها ولا يُكدسها في رفوف مكتبه بل إلى الزمان علهُ يُنْصفنا فكنت اسمع وأقرا دائما أن الزمن جزء من العلاج.
هذا تقريري رقم 01